فصل: سنة سبع وثمانين ومائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان وتقليب أحوال الإنسان وتاريخ موت بعض المشهورين من الأعيان **


 سنة ثلاث وثمانين ومائة

فيها خرج أعداء الله الخزر بالخاء المعجمة والزاي والراء ومن قصتهم أن سبتت بنت ملك الترك خاقان خطيها الأمير الفضل بن يحيى البرمكي وحملت إليه في عام أول فماتت في الطريق فرد من كان معها في خدمتها من العساكر وأخبروا خاقان أنها قتلت غيلة فاشتد غضبه وتجهز للشر وخرج بجيوشه من الباب الحديد وأوقع بأهل الإسلام وأهل الذمة وقتل وسبى وبدع وبلغ السبي مائة ألف وعظم ما أصيب به المسلمون انا لله وإنا إليه راجعون فانزعج هارون الرشيد واهتم لذلك وجهز البعوث فاجتمع المسلمون وطردوا العدو عن أرمينية ثم سدوا الباب الذي خرجوا منه‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي الإمام أبو معاوية هشيم بن بشير السلمي الواسطي محدث بغداد روى عن الزهري وطبقته قال يعقوب الدورقي‏:‏ كان عند هشيم عشرون ألف حديث وقال يحيى القطان‏:‏ هو أحفظ من رأيت بعد سفيان وشعبة قلت والمراد بسفيان إذا أطلقوه الثوري وعن عمرو بن عون قال‏:‏ مكث هشيم يصلي الفجر بوضوء العشاء عشرين سنة قبل موته‏.‏

وفيها توفي السميد الجليل المشكور محمد بن السماك الكوفي الواعظ المشهور مولى بني عجل روى عن الأعمش وجماعة وروى عن الإمام أحمد ونظراؤه ومن كلامه‏:‏ من جزعته الدنيا حلاوتها لميله إليها جزعته الآخرة مرارتها لتجافيه عنها وكان كبير القدر خل على الرشيد فوعظه وخوفه وكان هارون الرشيد قد حلف أنه من أهل الجنة فاستفتى العلماء فلم يفته أحد أنه من أهل الجنة فقيل له‏:‏ سل عن ابن السماك فاستحضره وسأله فقال له‏:‏ هل قدر أمير المؤمنين على معصية فتركها خوفاً من الله تعالى فقال‏:‏ نعم كان لبعض الناس جارية فهويتها وأنا إذ ذاك شباب ثم أني ظفرت بها مرة وعزمت على ارتكاب الفاحشة منها ثم إني فكرت في النار وهولها وأن الزنا من الكبائر فأشفقت من ذلك وكففت عن الجارية مخافة من الله تعالى قال ابن السماك‏:‏ قال الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى ‏"‏ - النازعات‏:‏ 40 - فسر هارون بذلك قلت هذا الاستذلال فيه ما فيه فإن الظاهر والله أعلم أن المراد بذلك استمرار الخوف من الله والنهي للنفس عن ارتكاب الكبائر إلى الموت فأما إذ وقع ذلك ثم أعقبه الوقوع في الكبائر ولقي الله تعالى عاصياً فهو في خطر المشية مع الموت على الإسلام فان لم يمت على الإسلام والعياذ بالله فهو من أهل النار قطعأ وعليه يحمل أول الآية‏:‏ فأما من طغى إلى آخرها نسأل الله التوفيق والغفران ونعوذ به من الزيغ والخذلان وقيل وعظ ابن السماك يوماً فأعجبه وعظه ثم رجع إلى منزله ونام فسممع قائلاً يقول‏:‏ يا أيها الرجل المعلم غيره هذا لنفسك كان ذا التعليم ابدأ بنفسك فانهها عن غيها فاذا انتهت عنه فأنت حكيم وأردت تلقح بالرشاد عقولنا قولاً وأنت من الرشاد عديم تصف الدواء الذي السقام من الضنى ومن الضنى والداء أنت سقيم لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم فانتبه وآلى على نفسه أن لا يعظ شهراً‏.‏

وفيها توفي السيد أبو الحسن موسى الكاظم ولد جعفر الصادق كان صالحاً عابداً جواداً حليمأ كبير القدر وهو أحد الأئمة الاثني عشر المعصومين في اعتقاد الإمامية وكان يدعى بالعبد الصالح من عبادته واجتهاده وكان سخيأ كريمأ كان يبلغه عن الرجل أن يؤذيه فيبعث إليه بصرة فيهما ألف دينار وكان يسكن المدينة فأقدمه المهدي بغداد فحبسه فرأى في النوم أعني المهدي علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يقول يا محمد ‏"‏ فهل عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ‏"‏‏.‏

قال الربيع وأرسل الي المهدي ليلاً فراعني ذلك فجئته فإذا هو يقرأ هذه الآية وكان أحسن الناس صوتاً وقال علي بموسى بن جعفر فجئته به فعانقه وأجلسه إلى جانبه وقال‏:‏ يا أبا الحسن إني رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في النوم يقرأ علي كذا فتؤمنني أن تخرج علي أو على أحد من أولادي فقال‏:‏ و الله لا فعلت ذلك وما هو من شأني قال‏:‏ صدقت أعطوه ثلاثة آلاف دينار ورده إلئ أهله إلى المدينة قال الربيع‏:‏ فأحكمت أمره ليلاً فما أصبح إلا وهو في الطريق خوف العوائق ثم إن هارون الرشيد حبسه في خلافته إلى أن توفي في حبسه‏.‏

وروي أن هارون لما زار النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال السلام عليك يا ابن عم مفتخر بذلك فقال موسى الكاظم السلام عليك يا أبة فتغير وجه هارون وروي أن هارون الرشيد قال‏:‏ رأيت في المنام كأن حسيناً قد أتاني ومعه حربة وقال إن خليت عن موسى بن جعفر الساعة وإلا نحرتك بهذه الحربة فاذهب فخل عنه وأعطه ثلاثين ألف درهم وقل له إن أحببت المقام قبلنا فلك ما تحب وإن أحببت المضي إلى المدينة فالإذن في ذلك لك فلما أتاه وأعطاه ما أمره به قال له موسى الكاظم‏:‏ رأيت في منامي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اتاني فقال‏:‏ ‏"‏ يا موسى حبست مظلوماً فقل هذه الكلمات فإنك لا تبيت هذه الليلة في الحبس ‏"‏ فقلت بأبي وأمي ما أقول قال لي‏:‏ قل ‏"‏ يا سامع كل صوت‏.‏

ويا سابق الفوت ويا كاسي العظام لحماً ويا منشرها بعد الموت اسألك بأسمائك الحسنى وباسمك الأعظم الأكبر المخزون المكنون الذي لم يطلع عليه أحمد من المخلوقين يا حليماً ذا أناءة لا يقوى على أناءته يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبداً ولا يحصى عدداً فرج عني ‏"‏‏.‏

وله أخبار شهيرة ونوادر كثيرة‏.‏

وفيها توفي شيخ أصفهان وعالمها أبو المننر النعمان بن عبد السلام التيمي تيم الله بن ثعلبة كان فقيهاً إماماً زاهداً عابداً صاحب تصانيف اخذ عن الثوري وأبي حنيفة وطائفة رحمهم الله تعالى‏.‏

وفيها توفي الفقيه أبو عبد الرحمن بن يحيى بن حمزة الحضرمي السلمي قاضي دمشق ومحدثها عاش ثمانين سنة‏.‏

 سنة أربع وثمانين ومائة

فيها توفي السيد الجليل الزاهد العمري عبدالله بن عبد العزيز كان إماماً فاضلاً رأساً في الزهد والورع وفيها فقيه المدينة عبد العزيز بن أبي حازم‏.‏

 سنة خمس وثمانين ومائة

وفيها توفي أو في التي تليها الإمام الغازي القدوة أبو إسحاق الفزاري كان إماماً قانتاً مجاهداً مرابطاً اماراً بالمعروف اذا رأى بالشعر مبتدعاً أخرجه‏.‏

وفيها توفي يوسف بن يعقوب بن أبي سلمة الماجشون المدني ابن عم عبد العزيز الماجشون‏.‏

وقيل وفيها توفى أبو خالد يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن صفرة الأزدي ولاه أبو جعفر المنصور مصر في سنة ثلاث وأربعين ومائة ثم زار ابو جعفر المدكور بيت المقدس في سنة أربع وخمسين ومائة ومن هناك سير يزيد بن حاتم المذكور إلى إفريقية لحرب الخوارج الذين قتلوا عامله عمر بن حفص وجهز معه خمسين ألف مقاتل واستقر يزيد المذكور والياً بإفريقية من يومئذ وكان جواداً سرياً مقصوداً ممدوحاً وقصده جماعة من الشعراء فأحسن جوائزهم وهو الذي قال فيه أبو أسامة ربيعة بن ثابت الأزدي الرقي وفي يزيد بن أسيد بضم الهمزة السلمي وكان والياً على أرمينية من جهة أبي جعفر المنصور وكان يزيد المذكور من أشراف الناس وشجعانهم ومن ذوي الآراء الصائبة فمدحه أبو أسامة المذكور بشعر أجاد فيه وقصر هو في جائزته فقال فيهما هذه الأبيات وقد ذكرتها في غير هذا الموضع‏.‏

لشتان ما بين اليزيدين في الندى يزيد سليم والأغر بن حاتم يزيد سليم سالم المال والغنى أخو الأزد للأموال غير مسالم فهم الفتى الأزدي إتلاف ماله وهم الفتى القيسي جمع الدراهم لشتان ما بين اليزيدين في الندى يزيد سليم والأغر بن حاتم ولما عقد أبو جعفر ليزيد المهلبي المذكور على بلاد إفريقية وليزيد المذكور على ديار مصر خرجا معاً فكان يزيد المهلبي يقوم بكفاية الجيش فقال ربيعة الرقي‏:‏ و قدم أشعب المشهور بالطمع على يزيد وهو بمصر فجلس في مجلسه فدعا يزيد بغلامه فساره بشيء فقام أشعب فقبل يده فقال له يزيد‏:‏ لم فعلت هذا فقال‏:‏ اني رأيتك تسار غلامك فظننت أنك قد أمرت لي بشيء فضحك منه وقال‏:‏ ما فعلت ولكني أفعل ووصله وأحسن إليه‏.‏

قلت ومما يحكى من طمع أشعب المذكور أنه رأى في المنام كأن له كباشاً وكأن إنساناً ساومه فيها وقال له‏:‏ بكم تبيع كل واحد منها فقال‏:‏ بكذا وكذا وذكر قيمة كثيرة فقال له‏:‏ بل بدرهمين‏.‏

فقال‏:‏ لا ثم استيقظ ولم يجد الكباش ولا الدراهم فتغمض عينيه وتناوم ومد يده وقال هات يعني الدراهم في كل واحد‏.‏

ومما يحكى أيضاً عن أشعب أنه كان يدخل وقت الفطور في شهر رمضان مع جماعة يفطرون عند بعض القضاة وكان القاضي يضع كل ليلة فوق الطعام كبشاً مشوياً وكان الجماعة يأكلون من حواليه ولا يجتري أحد منهم يمد يده إلى الشواء إلى أن كان بعض الليالي فقصد أشعب الشوي وسلخه بيده فحرزه القاضي بعينيه ثم قال‏:‏ يا جماعة أعلموني من يصلي بالمحبوسين في هذا الشهر قال يا سيدي‏:‏ ما أحد يصلي بهم فقال‏:‏ المصلحة أن يذهب أشعب يصلي بهم في هذا الشهر فقال أشهب‏:‏ او المصلحة في غير ذلك اصلح الله القاضي قال‏:‏ و ما هي قال‏:‏ اتوب فسكت عنه القاضي وضحك من فهم ذلك ولم يعد إلى جذب الشواء يعدها‏.‏

وقال الطرسوسي في كتاب سراج الملوك قال سحنون بن سعيد كان يزيد بن حاتم حكيماً يقول‏:‏ و الله ما هبت شيئاً قط هيبتي لرجل لطمته وأنا أعلم أنه لا ناصر له إلا الله فيقول‏:‏ حسبك الله بيني وبينك‏.‏

وقيل وفد التميمي الشاعر على يزيد بن حاتم بإفريقية فأنشده هذين البيتين‏:‏ إليك قصرنا النصف من صلواتنا مسيرة شهر ثم شهر نواصله فلا نحن نخشى أن يخيب رجاؤنا لديك ولكن أهنأ البر عاجله فأمريزيد بوضع العطاء في جنده وكانوا خمسين ألف مرتزق كما تقدم فقال‏:‏ من أحب أن يسرني فليضع لزائري هذا من عطائه بدرهمين فاجتمع له مائة ألف درهم وضم يزيد إلى ذلك مائة ألف أخرى ودفعهما إليه‏.‏

قال ابن خلكان ثم وجدت البيتين المذكورين لمروان بن أبي حفصة والله أعلم انتهى كلامه‏.‏

قلت وقد تقدم ذكرهما في ترجمة مروان المذكور في سنة اثنتين وثمانين ومائة في مدحه للمهدي‏.‏

وذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق‏:‏ ان يزيد المذكور قال لجلسائه‏:‏ استبقوا إلى ثلاثة أبيات‏.‏

فقال صفوان بن صفوان‏:‏ افيك قال‏:‏ فيمن شئتم وكأنها كانت لم أدر ما الجود إلا ما سمعت به حتى لقيت يزيداً عصمة الناس لقيت أجود من يمشي على قدم مفضلاً برداء الجود والبأس ولو نيل بالجود مجد كنت صاحبه وكنت أولى به من آل عباس ثم كف وقال أتمم فقال‏:‏ لا يصلح وقال‏:‏ يسمع هذا منك أحد‏.‏

وفي يزيد بن حاتم أيضاً قال الشاعر‏:‏ وإذا تباع كريمة أو تشترى فسواك بايعها وأنت المشتري وإذا تخيل من سحابك لامع صدقت مخيلته لدى المستمطر وإذا الفوارس عددت أبطالها عدوك في أبطالهم بالخنصر يعني عدوك أولهم‏.‏

وقال فيه آخر‏:‏ يا واحد العرب الذي أضحى وليس له نظير لو كان مثلك آخر ما كان في الدنيا فقر فدعا يزيد بخازنه وقال وكم في بيت مالي قال‏:‏ فيه من العين والورق ما مبلغه عشرون ألف دينار فقال‏:‏ ادفعها إليه ثم قال‏:‏ يا أخي المعذرة إلى الله تعالى ثم إليك والله لو كان في ملكي غيرها لما أدخرتها عنك‏.‏

وفيها توفي المطلب بن زياد والمعافى بن عمران‏.‏

وفيها عبد الصمد بن علي بن عبدالله بن عباس رضي عنهم‏.‏

وذكر أبو الفرج بن الجوزي أنه كانت فيه عجائب منها‏:‏ انه ولد في سنة أربع ومائة وولد أخوه محمد السفاح والمنصور سنة ستين فبينهما ست وخمسون سنة ومنها أنه حج يزيد بن معاوية في سنة خمسين وحج عبد الصمد بالناس سنة خمسين ومائة وهما في النسب إلى عبد مناف سواء ومنها إنه أدرك السفاح والمنصور هما ابنا أخيه ثم أدرك المهدي وهوعم أبيه ثم أدرك الهادي وهو عم جده ثم أدرك الرشيد وفي أيامه مات‏.‏

وقال يوماً للرشيد‏:‏ هذا مجلس فيه أمير المؤمنين وعمه وعم عمه وعم عم عمه وذلك أن سليمان بن أبي جعفر هو عم الرشيد والعباس عم سليمان وعبد الصمد عم العباس‏.‏

ومنها أنه مات بأسنانه التي ولد بها ولم يثغر يقال ثغر الصبي يثغر فهو مثغر ومثغور إذا سقطت أسنانه وأثغر إذا نبتت وأثغر بالمثلثة وبالمثناة من فوق مع التشديد أيضاً‏.‏

وفيها توفي يزيد بن مزيد ابن أخي معن بن زائدة الشيباني وكان من الأمراء المشهورين والشجعان المعروفين كان والياً بأرمينية وآذربيجان ولاه الرشيد ووجهه لحرب الوليد بن طريف الشيباني الخارجي لما خرج على هارون ببلاد الجزيرة بعدما وجه إليه موسى بن حازم التيمي في جيش كثيف فهزمهم الوليد وقتله فوجه الرشيد معمر بن عيسى العبدي وكانت بينهما وقائع وكثرت جموع الوليد فوجه إليه الرشيد يزيد المذكور في عسكر ضخم فقصده وجعل الوليد يراوغه وكان ذا مكر ودهاء وكانت بينهما حروب صعبة ثم بعث الرشيد خيلاً بعد خيل إلى يزيد وأرسل إليه يعنفه على ترك جده في حربه فالتقيا ودعاه يزيد إلى المبارزة فبرز إليه الوليد ووقف العسكران فتطاردا ساعة ولم يقدر أحداً منهما على صاحبه حتى مضت ساعات من النهار فأمكنت يزيد فيه الفرصة فضرب رجله فسقط وضاح بخيله فبادروا إليه واجتزوا رأسه فوجه به إلى الرشيد ورثت الوليد أخته بأبيات تقدمت في ترجمة الوليد في سنة تسع وسبعين ومائة‏.‏

وروي أن هارون لما جهز يزيد المذكور إلى حرب الوليد أعطاه ذا الفقار سيف النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال خذه يا يزيد فإنك ستنصر به فأخذه ومضى وكان من قتله الوليد ما ذكروا في ذلك يقول مسلم بن الوليد الأنصاري في قصيدة يمدح فيها يزيد ا لمذكور‏:‏ أذكرت سيف رسول الله سنته وبأس أول من صلى ومن صاما يعني بالبأس علي بن أبي طالب رضي الله عنه اذ كان هو الضارب به‏.‏

وذكر بعضهم أن ذا الفقار كان مع العاصي بن نبيه في يوم بدر فقتل هو وأبوه نبيه وعمه منبه ابنا الحجاج وكانا سيدي بني سهم في الجاهلية وكانا من المطعمين وكان الذي قتل العاصي هو علي فأخذ منه ذا الفقار‏.‏

وذكر بعضهم أن ذا الفقار كان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فأعطاه علياً‏.‏

وكان سبب وصول السيف المذكور إلى هارون فيما ذكره أبو جعفر الطبري بإسناد متصل أنه تلقاه من أخيه الهادي والهادي من أبيه المهدي والمهدي من جعفر بن سليمان العباسي وجعفر من رجل من التجار والتاجر من محمد بن عبدالله بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم فعه إليه يوم قتل بأربع مائة دينار كانت له عليه وعن الأصمعي قال‏:‏ رأيت في ذي الفقار ثماني عشرة فقارة‏.‏

وذكر الخطيب أن الرشيد قال ليزيد من الذي يقول فيك‏:‏ لا يعبق الطيب كفيه ومفرقه ولا تمسح عينيه من العجل قد عود الطير عادات وثقن بها فهن يتبعنه في كل مرتحل فقال لا أدري يا أمير المؤمنين فقال يقال فيك مثل هذا ولا تعرف قائله‏!‏ فانصرف خجلاً فاجتمع به الوليد بن مسلم وأنشده هذه القصيدة فقال لوكيله‏:‏ بع ضيعتي الفلانية وأعطه نصف ثمنها واحبس نصفه لنفقتنا فباعها بمائة ألف درهم فأعطى مسلماً خمسين ألفاً فبلغ ذلك الرشيد فأعطاه مائتي ألف درهم وقال‏:‏ استرجع الضيعة بمائة ألف وزد الشاعر خمسين ألفاً واحبس لنفسك خمسين ألفاً وللشعراء فيه أشعار يطول ذكرها وفي معنى البيت الذي ذكر فيه أن الطير تتبعه أشعار لجماعة من الشعراء منها قول أبي تمام‏:‏ وقد ظللت عقبان راياته ضحى بعقبان طير في الدماء تواحل أقامت على الرايات حتى كأنها من الجيش إلا أنها لم تقاتل تراه من الأمن في درع مضاعفة لا يأمن الدهر أن يدعى على عجل فقلت‏:‏ لا أعرفه يا أمير المؤمنين فقال‏:‏ سوأة لك من سيد قوم تمدح بمثل هذا ولا تعرف قائله وقد بلغ أمير المؤمنين فرواه ووصل قائله وهو مسلم بن الوليد‏.‏

قال فانصرفت فدعوت به ووصلته‏.‏

وروي أن عمه معن بن زائدة كان يقدمه على أولاده فعاتبته امرأته لذلك فقال لها‏:‏ إني لأجد عندهم من الغنى ما ليس عنده فلو كان ما يصنع به يزيد بعيداً لصار قريباً أو عدواً لصار حبيباً وسأريك في هذه الليلة ما تبسطين به عذري ثم قال‏:‏ يا غلام اذهب فادع لي حساناً وزائدة وعبدالله وفلاناً وفلاناً حتى أتى على جميع ولده فجاؤوا في العلالي الطيبة والنعال السندية بعد ليل فسلموا وجلسوا ثم قال معن‏:‏ يا غلام ادع يزيد فجاء عجلاً وعليه سلاحه فوضع رمحه بباب المجلس ودخل فقال له معن‏:‏ ما هذه الهيئة يا أبا الزبير فقال‏:‏ جاء في رسول الأمير فسبق إلى وهمي أنه يريدني وهمتي فلبست سلاحي فقال معن‏:‏ انصرفوا في حفظ الله فلما خرجوا قالت له زرجته‏:‏ قد تبين لي عذرك‏.‏

 سنة ست وثمانين ومائة

فيها توفي الحافظ خالد بن الحارث البصري وفقيه المدينة بعد مالك أبو هشام المغيرة بن عبدالرحمن المخزومي قيل عرض عليه الرشيد قضاء المدينة فامتنع‏.‏

 سنة سبع وثمانين ومائة

فيها خلعت الروم من الملك السبت ايريني وهلكت بعد أشهر وأقاموا عليهم تقفور والروم تزعم أنه من ولد حفصة الغساني الذي تنصر وكتب تقفور إلى هارون الرشيد من تقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب أما بعد فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ وأقامت نفسها مقام البيدق فحملت إليك من أموالها ذلك لضعف النساء وحمقهن فإذا قرأت كتابي فأردد ما حصل قبلك وافتد نفسك وإلا فالسيف بيننا وبينك فلما قرأ الرشيد الكتاب اشتد غضبه وتفرق جلساؤه خوفاً من بادرة تقع منه ثم كتب بيده على ظهر الكتاب‏:‏ من هارون أمير المؤمنين إلى تقفور كلب الروم قرأت كتابك يا ابن الكافرة والجواب ما تراه دون ما تسمعه ثم ركب من يومه وأسرع حتى نزل على مدينة هرقلة وأوطأ الروم ذلاً وبلاءً فقتل وسبى وذل تقفور وطلب الموادعة على خراج يحمله فلما رد الرشيد إلى الرقة نقض تقفور العهد فلم يجسر أحد أن يبلغ الرشيد حتى عملت الشعر أبياتاً يلوحون بذلك فقال‏:‏ او قد فعل بها فكر راجعاً في شقة الشتاء حتى أناخ بفنائه ونال منه مراده وفي ذلك يقول أبو العتاهية‏:‏ غدا هارون يرعد بالمنايا يبرق بالمذكرة العضاب ورايات يحل النصر فيها تمر كأنها قطع السحاب وفي السنة المذكورة أو التي قبلها توفي بشر بن المفضل أحد حفاظ البصرة قال الإمام علي بن المديني‏:‏ كان يصلي كل يرم أربع مائة ركعة ويصوم يوماً ويفطر يوماً‏.‏

وفيها توفي عبد العزيز بن عبد الصمد العمي الحافظ وعبد العزيزبن محمد الدراوردي المدني وكان فقيهاً صاحب حديث وتوفي عبد السلام بن حرب الكوفي الحافظ‏.‏

وفيها توفي أبو الخطاب السدوسي البصري المكفوف الحافظ والإمام أبو محمد معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي الحافظ أحد شيوخ البصرة‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ كان عابداً صالحاً حجةً‏.‏رفيها توفى معاذ بن مسلم الكوفي النحوي شيخ الكسائي عاش نحو مائة سنة و فيها غضب الرشيد على البرامكة وضرب عنق جعفر بن يحيى البرمكي الوزير أحد الأجواد والفصحاء قال بعض المؤرخين‏:‏ كان من علو القدر ونفاذ الأمر وبعد الهمة وعظم المحل وجلالة المنزلة عند هارون الرشيد بمنزلة الفرد بها ولم يشاركه فيها أحد وكان سمح الأخلاق طلق الوجه ظاهر البشر وأما جوده وسخاؤه وبذله وعطاؤه فكان أشهر من أن يذكر وكان من ذوي الفصاحة والمشهورين باللسن والبلاغة ويقال إنه وقع ليلة بحضرة الرشيد زيادة على ألف توقيع ولم يخرج في شيء منها عن موجب الفقه وكان أبوه قد ضمه إلى القاضي أبي يوسف حتى علمه وفقهه‏.‏

ومما يحكى عنه أنه وقع إلى بعض العمال وقد شكا منه‏.‏

فقال‏:‏ كثر شاكوك فأما اعتذرت واما عتزلت‏.‏

ومما ينسب إليه من الفطنة أنه بلغه أن الرشيد مغموم من أجل أن يهودياً زعم أن الرشيد يموت تلك السنة فركب جعفر إلى الرشيد فرآه شديد الغم فقال لليهودي‏:‏ أنت تزعم أن أمير المؤمنين يموت إلى كذا أو كذا يوماً قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ و أنت كم عمرك قال كذا وكذا‏.‏

ذكر مدى طويلاً فقال للرشيد اقتله حتى تعلم أنه كذب في أمدك كما كذب في أمده فقتله فذهب ما كان بالرشيد من الغم وشكره على ذلك وأمر بصلب اليهودي فقال أشجع السلمي في ذلك‏.‏

سل الراكب الموفي على الجزع هل رأى براكبه نجماً بدا غير أعورا ولو كان نجم مخبراً عن منية لأخبره عن رأسه المتحيرا يعرفنا موت الإمام كأنه يعرفه أبناء كسرى و قيصرا أيخبرعن نحس لغيرك شؤمة ويحمل بادي النحس يا شر مخبرا وكان جعفر من الكرم وسعة العطاء كما هو مشهور ويقال إنه لما حج اختار في طريقه بالعقيق وكانت سنة مجدبة فأعرضت امرأة وأنشدت‏:‏ إني عبرت على العقيق وأهله يشكون من مطر الربيع تزورا فأجزل للمرأة المذكورة العطاء وقيل والبيت الثاني مأخوذ من قول الضحاك بن عقيل الجناحي من جملة أبيات له‏:‏ ولو جاوزتنا العام سمراء لم ينل على جدبنا أن لا يصوب ربيع قال بعضهم‏:‏ لله دره ما أحلى هذه الحشوة وهي قوله على جدبنا ومن مكانته عند الرشيد ونفوذ كلمته‏:‏ ما ذكر صاحب كتاب الأماثل والأعيان عن جعفر في قصة ذكر في آخرها أن جعفر بن يحيى قال لعبد الملك بن صالح الهاشمي‏:‏ اذكر حوائجك قال‏:‏ ان في قلب أمير المؤمنين موجدة علي فتخرجها من قلبه وتعيده إلى جميل رأيه في قال‏:‏ قد رضي عنك أمير المؤمنين وزال ما عنده منك فقال‏:‏ و علي أربعة آلاف ألف درهم ديناً فقال يقضي عنك و انها لحاضرة ولكن كونها من أمير المؤمنين أشرف لك وأدل على حسن ما عنده منك قال‏:‏ و إبراهيم ابني أحب أن أرفع قدره بصهر من ولد الخلافة فقال قد زوجه أمير المؤمنين العالية ابنته قال‏:‏ و أوثر التنبيه على موضعه برفع لواء على رأسه قال‏:‏ قد ولاه أمير المؤمنين مصر قال الراوي‏:‏ و هو إبراهيم بن المهدي فخرج عبد الملك ونحن متعجبون من قول جعفر وإقدامه على ذاك من غير استئذان فيه ثم ركبنا من الغد إلى باب الرشيد ودخل جعفر ووقفنا فما كان أسرع من أن دعي بأبي يوسف القاضي ومحمد بن الحسن وإبراهيم بن عبد الملك ولم يكن بأسرع من خروج إبراهيم والخلع عليه واللواء بين يديه‏.‏

وقد عقد له على العالية بنت الرشيد وحملت إليه ومعها المال إلى منزل عبد الملك بن صالح وخرج جعفر فتقدم إلينا بأتباعه إلى منزله وصرنا معه فقال‏:‏ اظن قلوبكم تعلقت بأول أمر عبد الملك فأصبتم علم آخره قلنا هو كذا وكذا قال‏:‏ و قلت بين يدي أمير المؤمنين وعرفته ما كان من أمر عبد الملك من ابتدائه إلى انتهائه وهو يقول أحسن أحسن قلت‏:‏ يعني قضيته وقعت له معه كرهت ذكرها لاشتمالها على خلاعات ومنادمات ومحرمات لا يليق ذكرها بأرباب الديانات واسترسال عبد الملك المذكور مع جعفر على طريق المو فقة بأشياء ليست له بإعادته حيز القلب واسعاً قال باريه وتوسد استمالته وتوصل إلى قضاء حاجته وهي معروفة عند من له إلمام بمطالعة ما سطر في تواريخ الملوك والوزراء واطلاع على أخبار الوقائع والأمراء‏.‏

رجعنا إلى ذكر ما ذكره عن الرشيد قال‏:‏ ثم قال فما صنعت معه فعرفته ما كان من قولي له فاستصوبه وأمضاه وكان ما رأيتم قال الراوي فوالله ما أدري أيهم أعجب فعلا عبد الملك في تعاطيه ما ليس له بعادة وكان رجل جد وتعفف ووقار وناموس او إقدام جعفر على الرشيد بما أقدم او إمضاء الرشيد ما حكم به عليه جعفر‏.‏

وحكي أنه كان عنده أبو عبيدة الثقفي فقصدته خنفساتة فأمر جعفر بازالتها فقال أبو عبيدة‏:‏ دعوها حتى يأتي بقصدها لي خيراً فإنهم يزعمون ذلك فأمر له جعفر بألف دينار وقال‏:‏ تحقق زعمهم وأمر بتنحيتها ثم قصدته ثانياً فأمر له جعفر بألف دينار أخرى‏.‏

وحكى ابن القادسي في أخبار الوزراء أن جعفراً اشترى جارية بأربعين ألف دينار فقالت لبائعها‏:‏ اذكر ما عاهدتني عليه أنك لا تأكل لي ثمناً فبكى مولاها وقال‏:‏ اشهدوا أنها حرة وقد تزوجتها فوهب له جعفر المال ولم يأخذ منه شيئاً وأخبار كرمه كثيرة وكان أبلغ أهل بيته‏.‏

قالوا‏:‏ و كان الفضل أجود منه وأول من وزر من آل برمك خالد بن برمك لأبي العباس السفاح ولم يزل خالد على وزارته حتى توفي السفاح وتولى أخوه أبو جعفر المنصور فأقر خالد على وزارته سنة وشهوراً وكان أبو أيوب المورياني بالمثناة من تحت بين الراء والألف وفي آخره قيل ياء النسبة نون قد غلب على المنصور فاحتال على خالد باشارته على المنصور أن يوليه أمرة بعض البلدان البعيدة فلما بعد عن الحضرة استبد أبو أيوب بالأمر‏.‏

وقال الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق‏:‏ و لد خالد سنة تسعين من الهجرة وتوفي سنة خمس وستين ومائة وكان جعفر متمكناً من عند الرشيد غالباً على أمره واصلاً منه بالغاً علو والمرتبة عنده ما لم يبلغ سواه حتى أن الرشيد اتخذ ثوباً له زيقان وكان يلبسه هو وجعفر جملة ولم يكن للرشيد صبر عنه وكان الرشيد أيضاً شديد المحبة لأخته العباسة ابنة المهدي وهي من أعز النساء عليه لا يقدر على مفارقتها كان متى غاب جعفر وهي لا يتم للرشيد سرور فقال‏:‏ يا جعفر إنه لا يتم لي سرور إلا بك وبالعباسة واني سأزوجها منك ليحل لكما أن تجتمعا‏.‏

يعني عندي لكن إياكما أن تجتمعا يعني اجتماع الرجال بالنساء فتزوجها على هذا الشرط ثم تغير الرشيد عليه وعلى البرامكة كلهم آخر الأمر وملهم وقتل جعفراً واعتقل أخاه الفضل وأباه يحيى بن خالد كما سيأتي في ترجمتهما إن شاء الله تعالى‏.‏

وقد اختلف أهل التاريخ في سبب تغير الرشيد عليهم فمنهم من ذهب إلى أن الرشيد لما زوج أخته من جعفر على الشرط المذكور بقي مدة على تلك الحالة ثم اتفق أن أحبت العباسة جعفراً وأرادت أن تجتمع به فأبى وخاف فلما أعيتها الحيلة عدلت الى الخديعة فبعثت إلى عنابة أم جعفر أن أرسلني إلى جعفر كأني جارية من جواريك اللاتي ترسلين إليه وكانت أمه ترسل إليه كل يوم جمعة جارية بكراً فأبت عليها أم جعفر فقالت‏:‏ لئن لم تفعلي لأذكرن لأخي أنك خاطبتني بكيت وكيت ولئن اشتملت من ابنك على ولد ليكون لكم الشرف وما عسى أن يفعل أخي إن علم أمرنا فأجابتها أم جعفر وجعلت تعد ابنها أن ستهدي إليه جارية عندها حسناء من هيئتها ومن صفتها وهو يطالبها بالوعد المرة بعد المرة حتى علمت أنه قد اشتاق اليها فأرسلت إلى العباسة أن تهيىء الليلة ففعلت وأدخلت على جعفر وكان لا يثبت صورتها لأنه كان عند الرشيد لا يرفع طرفه إليها مخافة فلما قضى منها وطره قالت له‏:‏ كيف رأيت خديعة بنات الملوك فقال‏:‏ وأي بنت ملك أنت فقالت‏:‏ انا مولاتك العباسة فطاش عقله وأتى إلى أمه فقال لها‏:‏ بعتني والله رخيصاً وحملت العباسة منه وجاءت بولد فوكلت به غلاماً ما اسمه رياش وحاضنة يقال لها مرة ولما خافت ظهور الأمر بعثتهم إلى مكة وكان أبو جعفر يحيى بن خالد ناظراً على قصر الرشيد وحرمه ويغلق أبواب القصر وينصرف بالمفاتيح معه حتى ضيق على حرم الرشيد فشكته زبيدة إلى الرشيد وكان الرشيد يدعوه أبا فقال له‏:‏ يا أبة الزبيدة تشكوك فقال‏:‏ امتهوم أنا في حرمك يا أمير المؤمنين قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فلا تقبل قولها علي وازداد يحيى عليها غلظة وتشديداً فقالت زبيدة للرشيد مرة أخرى في شكوى يحيى فقال الرشيد لها‏:‏ يحيى عندي غير متهم في حرمي فقالت لم لم يحفظ ابنه مما ارتكبه قال‏:‏ و ما هو فخبرته بخبر العباسة فقال‏:‏ و هل على هذا دليل قالت‏:‏ و أي دليل أدل من الولد قال‏:‏ و أين هو قالت‏:‏ كان هنا نقلاً فلما خافت ظهوره وجهته إلى مكة قال‏:‏ فهل علم بذلك سواك فقالت‏:‏ ليس بالقصر جارية إلا وقد علمت به فسكت عنها وأظهر إرادة الحج فخرج ومعه جعفر فكتبت العباسة إلى الخادم والداية بالخروج بالصبي إلى اليمن فوصل الرشيد مكة فوكل من يثق به بالبحث عن أمر الصبي فوجده صحيحاً فأضمر السوء للبرامكة ذكر ذلك ابن بدرون في شرح قصيدة ابن عبدون التي رثى بها بني الأفطس التي أولها‏:‏ الدهريفجع بعد العين بالأثر فما البكاء على الأشباح والصور ولأبي نواس أبيات تدل على طرف من الواقعة التي ذكرها ابن بدرون‏.‏

ألا قل لأمين الله وابن القارة الساسه إذا ما ناكث سرك أن يفقده رأسه فلا تقتله بالسيف وزوجه بعباسه وذكره غيره‏:‏ ان الرشيد سلم إلى جعفر يحيى بن عبدالله بن الحسن وكان قد خرج على خلفاء بني العباس وأمره بحبسه عنده فقال يحيى لجعفر‏:‏ اتق الله في أمري ولا تتعرض أن يكون خصمك جدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم‏.‏

فرق له جعفر وقال‏:‏ اذهب حيث شئت من البلاد فقال أخاف أن أوخذ فأرد فبعث معه من أوصله إلى مأمنه وبلغ الخبر الرشيد فدعا به وقال‏:‏ يا جعفر ما فعل يحيى قال‏:‏ يحيا له قال‏:‏ بحياتي فوجم وأحجم وقال لا وحياتك أطلقته حيث علمت أن لا سوء عنده قال نعم الفعل وما عددت ما في نفسي فلما نهض جعفر اتبعه بصره قال قتلني الله إن لم أقتلك وقيل‏:‏ ما كان من البرامكة جناية توجب غضب الرشيد ولكن طالت أيامهم وكل طويل مملول ولقد استطال الناس الذي هم خير الناس أيام عمر بن الخطاب وما رأوا مثلها عدلاً وأماناً وسعة أموال وفتوح وأيام عثمان فقتلوهما ورأى الرشيد مع ذلك أنس النعمة بهم وكثرة حمد الناس لهم وآمالهم فيهم ونظرهم إليهم دونه او كما قيل وللملوك تنافس بأقل من هذا فتعنت عليهم وتجنى وطلب مساويهم ووقع منهم بعض الإزلال خصوصاً جعفر والفضل دون يحيى فإنه أحكم خبرة وأكثر ممارسة للأمور ولاز بهم قوم من أعدائهم بالرشيد كالفضل بن الربيع وغيره فستروا منهم المحاسن وأظهروا القبائح حتى كان ما كان وكان الرشيد بعد ذلك إذا ذكروا عنده بسوء أنشد ما معناه وغالب ألفاظه هذا‏:‏ أقول ملا ما لا أبا لأبيكم عن القوم أو سدوا المكان الذي سدوا وقيل السبب أنه رفعت إلى الرشيد قصة لم يعرف رافعها وفيها هذه الأبيات‏:‏ قل لأمين الله في أرضه ومن إليه الحل والعقد هذا ابن يحيى قد غدا ملكاً مثلك وما بينكما حسد أمرك مردود إلى أمره وأمره ليس له رد وقد بنى الدار التي ما بنى الفرس لها مثلا ولا الهند الدر والياقوت حصباؤها وتربها العنبر والند ونحن نخشى أنه وارث ملكك إن غيبك اللحد ولن يباهي العبد أربابه إلا إذا ما بطر العبد فوقف الرشيد عليها وأضمر له السوء‏.‏

وحكى بعضهم أن علية بنت المهدي قالت للرشيد بعد ايقاعه بالبرامكة‏:‏ يا سيدي ما رأيت لك يوماً سروراً تاماً منذ قتلت جعفراً فلأي شيء قتلته فقال لها‏:‏ لو علمت أن قميصي يعلم السبب في ذلك لمزقته‏.‏وقال السندي بن شاهك‏:‏ كنت ليلة نائماً في غرفة الشرطة في الجانب الغربي فرأيت في منامي جعفر بن يحيى واقفاً بإزائي وعليه ثوب مصبوغ بالعصفر وهو ينشد‏:‏ كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس ولم يسمر بمكة سامر بلى نحن كنا أهلها وأبا دنا صروف الليالي واللحود العواثر قلت ويروى هذا البيت السنون العواثر يروى أنه أنشده عمرو بن مضاض الجرهمي بعد أن أخرج قومه من مكة ونزلوا بلاد اليمن‏.‏

قال‏:‏ فانتبهت فزعاً وقصصتها على أحد خواصي فقال‏:‏ اضغاث أحلام وليس كل ما يراه الإنسان يجب أن يفسر فعاودت مضجعي فلم تمتلي عيناي غمضاً حتى سمعت صيحة الرابطة والشرط وقعقعة نجم البريد ودق باب الغرفة فأمرت بفتحها فصعد سلام الأبرش الخادم وكان الرشيد يوجهه في المهمات فانزعجت وأرعدت مفاصلي وظننت أنه أمرني بأمر فجلس إلى جانبي وأعطاني كتابأ فقرأته وإذا فيه‏:‏ هذا كتابنا بخطنا مختوم بالخاتم الذي في يدنا وموصله سلام الأبرش فإذا قرأته فقبل أن تضعه من يدك امض إلى دار يحيى بن خالد لاحاطه الله وسلام الأبرش معك حتى تقبض عليه وتوقره حديداً وتحمله إلى الحبس في مدينة المنصور المعروف بحبس الزنادقة وتتقدم إلى بآدام بن عبدالله وتأمره أو كما قال بالمسير إلى الفضل ابنه مع ركوبك إلى دار يحيى وقبل انتشار الخبر تفعل به مثل ما تقدم إليك في يحيى وأن تحمله أيضا إلى حبس الزنادقة ثم ابعث بعد فراغك من أمر هذين أصحابك في القبض على يحيى وأولاده وإخوته وقراباته وذكر أشياء أخرى يطول ذكرها اقتضى الاقتصار حذفها‏.‏

قال الراوي‏:‏ ثم دعا السندي بن شاهك فأمره بالمضي إلى بغداد والتنكيل بالبرامكة وكتاباتهم وقراباتهم وأن يكون ذلك سراً ففعل السندي ذلك وكان الرشيد بالأنبار بموضع يقال له العمر بضم العين المهملة ومعه جعفر بمنزله وقد دعا أبا زكار بالزاي قبل الكاف والراء في آخره وجواريه ونصب الستائر وأبو زكار يغنيه‏.‏

مايريدالناس منا ما ينام الناس عنا إنما همهم أن يظهرواما قد دفنا ودعا الرشيد ياسراً غلامه وقال له‏:‏ لقد انتخبتك لأمر ولم أر له محمداً ولا عبدالله ولا القاسم فحقق ظني واحذر أن تخالف فتهلك فقال‏:‏ لو أمرتني بقتل نفسي لفعلت فقال‏:‏ اذهب إلى جعفر بن يحيى وجئني برأسه الساعة فوجم لا يجيب جواباً فقال مالك‏:‏ و يلك قال‏:‏ الأمر عظيم وددت أني مت قبل وقتي هذا فقال‏:‏ امض لأمري فمضى حتى دخل على جعفر وأبو زكار يغنيه‏:‏ فلا تبعد فكل فتى سيأتي عليه الموت يطرق أويغادي وكل ذخيرة لا بد يوماً وأن بقيت يصير إلى نفاد ولو فديت من حديث الليالي فديتك بالطريف وبالتلاد فقال‏!‏ له‏:‏ يا ياسر سررتني بإقبالك وسوأتني بدخولك من غير إذن قال‏:‏ الأمر أكبر من ذلك قد أمرني أمير المؤمنين كذا وكذا فأقبل جعفر يقبل قدمي ياسر قال‏:‏ دعني أدخل وأوصي قال‏:‏ لا سبيل إليه أوص بما شئت فقال‏:‏ لي عليك حق ولا تقدر على مكافاتي إلا الساعة قال‏:‏ تجدني سريعاً إلا في ما يخالف أمير المؤمنين قال‏:‏ فارجع وأعلمه بقتلي فإن ندم كانت حياتي على يدك وإلا أنفذت أمره في قال‏:‏ لا أقدر قال‏:‏ فأسير معك إلى مضربه وأسمع كلامه ومراجعتك فإن أصر فعلت قال‏:‏ اما هذا فنعم‏.‏

ثم انه صار إلى مضرب الرشيد فلما جمع حسه قال له‏:‏ ما وراءك فذكر له قول جعفر فيه وقال‏:‏ و الله لئن راجعتني لأقدمنك قبله فرجع فقتله وجاء برأسه فلما وضعه بين يديه أقبل عليه ملياً ثم قال‏:‏ يا ياسر جئني فلان وفلان فلما أتى بهما قال لهما‏:‏ اضربا عنق ياسر فلا أقدر أن أرى قاتل جعفر وقيل الذي هجم عليه مسرور الخادم بإرسال الرشيد له وبعد ضرب عنقه صلب على الجسر ببغداد‏.‏

وحكي أن جعفر آخر أيامهم أراد الركوب فدعا بالاصطرلاب ليختار وقتاً و هو في داره على دجله فمر رجل في سفينة وهو لا يرى جعفر ولا يدري ما يصنع وهوينشد هذا البيت‏:‏ مريد بالنجوم وليس تدري ورب النجم يفعل ما يريد فضرب بالاصطرلاب الأرض وركب‏.‏

وحكي أنه رأى على باب قصر علي بن ماهان بخراسان صبيحة الليل التي قتل فيها جعفر كتاباً بقلم جليل فيه هذان البيتان‏.‏

إن المساكين بني برمك صتت عليهم غيرالدهر إن لنا في أمرهم عبرة فليعتبر ساكن ذا القصر ولما بلغ سفيان بن عيينة قتل جعفر وما نزل بالبرامكة حول وجهه إلى القبلة وقال‏:‏ اللهم إنه كان قد كفاني مؤنة الدنيا فاكفه مؤنة الآخرة فلما قتل جعفر أكثر الشعراء في ورثائه ورثاء آله فقال الرقاشي‏:‏ هدى الخالون من شجوي فناموا وعيني لا يلائمها منام وما سهرت لأني مستهام إذا سهر المحب المستهام ولكن الحوادث أرقتني فلي سهر إذا هجع الأنام ولم يزل يقول إلى أن قال‏:‏ على المعروف و الدنيا جميعاً لدولة آل برمك السلام فلم أر قط قبلك يا ابن يحيى حساماً فله السيف الحسام وأما و الله لولا خوف واش وعين للخليفة لا تنام لطفنا حول جذعك و استلمنا كما للناس بالحجر استلام و قال أيضاً يرثيه و أخاه الفضل‏.‏

ألا ان سيفاً برمكياً مهندا أصيب بسيف هاشمي مهند فقل للمطايا بعد فضل تعطلي وقل للرزايا كل يوم تجددي وقال آخر‏:‏ ولما رأيت السيف صبح جعفرا ونادى مناد للخليفة في يحيى بكيت على الدنيا وأيقنت إنما قصارى الفتى فيها مفارقة الدنيا وغير ذلك مما رثوه من الأشعار مما يخرج عن حيز الاختصار إلى حيز الإكثار مع أن ترجمة جعفر من أطال الكلام فيها فقد قصر‏.‏

قال بعض المؤرخين ومن أعجب ما يؤرخ من تقلبات الدنيا بأهلها ما حكى بعضهم قال‏:‏ دخلت على والدتي في يوم عيد الأضحى وعندها امرأة في ثياب رثة فقالت لي والدتي أتعرف هذه قلت‏:‏ لا قالت لي‏:‏ هذه أم جعفر البرمكي فأقبلت عليها وتحادثنا زمانأ ثم قلت يا أمه ما أعجب ما رأيت فقالت‏:‏ لقد أتى علي يا بني عيد مثل هذا وعلى رأسي أربع مائة وصيفة واني لأعد ابني عاقاً لي ولقد أتى علي يا بني هذا العيد وما منازي إلا جلدا شاتين افترش أحدهما وألتحف بالآخر قال‏:‏ فدفعت لها خمس مائة درهم وكادت تموت فرحاً بها سبحان مقلب الدهور ومدبر الأمور‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي السيد الجليل الولي الخليل الإمام أبو علي المعروف بالفضيل أحد الأعلام الذين يقتدي بهم الأنام قال ابن المبارك‏:‏ ما على ظهر الأرض أفضل من الفضيل بن عياض قالوا‏:‏ و كان قد قدم الكوفة شاباً فحمل عن منصور وطبقته وقال القاضي شريك الفضيل حجة لأهل زمانه‏.‏ويحكى أن الرشيد قال للفضيل يوماً‏:‏ ما أزهدك فقال‏:‏ الفضيل‏:‏ انت أزهد مني فقال‏:‏ و كيف ذلك فقال لأني أزهد في الدنيا وأنت تزهد في الآخرة والدنيا فاتنة والآخرة باقية قلت‏:‏ و للفضيل مع هارون حكاية عجيبة ذكرتها في غيرهذا الكتاب‏.‏

ومن كلام الفضيل‏:‏ اذا أحب الله تعالى عبداً أكثر غمه وإذا أبغض الله عبداً وسع عليه دنياه وقال‏:‏ لو أن الدنيا بحذافيرها عرضت علي لأحاسب عليها لكنت أتقذرها كما يتقذر أحدكم الجيفة إذا مر بها أن يصيب ثوبه وقال ترك العمل لأجل الناس رياء والعمل لأجل الناس شرك وقال لو كانت لي دعوة مستجابة لم أجعلها إلا في إمام لأنه إذا صلح الامام أمن البلاد والعباد‏.‏

وقال أبو علي الرازي‏:‏ صحبت الفضيل ثلاثين سنة ما رأيته ضاحكاً ولا متبسماً الا يوم مات ابنه علي فقلت له في ذلك‏:‏ فقال‏:‏ ان الله تعالى أحب أمراً فأحببت ذلك الأمر وكان ولده المذكور شاباً محبباً من كبار الصالحين‏.‏

وقيل للفضيل‏:‏ ان ابنك علياً يقول‏:‏ و ددت أني في مكان أرى الناس من حيث لا يروني فبكى وقال‏:‏ يا ويح علي ليته أتمها فقال‏:‏ لا أراهم ولا يروني‏.‏

وكان ابن المبارك يقول‏:‏ اذا مات الفضيل ارتفع الحزن من الدنيا وهو معدود من الجماعة الذين شغفتهم محبة الله‏.‏

ومناقب الفضيل كثيرة مشهورة وسيرته بين الخلق جميلة مشكورة ومولده بسمرقند وقيل بغيرها من بلاد العجم وقدم الكوفة وسمع الحديث بها ثم انتقل إلى مكة فجاور بها إلى أن مات وقبره فيها مزور مشهور‏.‏

قلت‏:‏ و المشهور من كلام المشايخ في كتب السلوك أنه كان في أول أمره شاطراً يقطع الطريق وكانت سبب توبته أنه عتق جارية فبينا هو يرتقي الجدار إليها سمع تالياً‏:‏ ‏"‏ ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ‏"‏ - الحديد‏:‏ 16 - فقال‏:‏ بلى يا رب قد آن فرجع وأواه الليل إلى خربة فاذا فيها رفقة فقال بعضهم‏:‏ نرتحل وقال بعضهم‏:‏ حتى نصبح فان فضيلاً على الطريق يقطع علينا فتاب الفضيل وأمنهم‏.‏

وروي أنه قال للرشيد‏:‏ يا حسن الوجه انت الذي أمر هذه الأمة في يدك وعنقك لقد تقلدت أمراً عظيماً فبكى الرشيد ثم أعطى كل واحد من الأولياء والعلماء الحاضرين بدرة فكل قبلها إلا الفضيل فقال له الرشيد‏:‏ يا أبا علي ان لم تستحل أخذها فأعطها ذا دين او أشبع بها جائعاً او إكس بها عارياً فاستعفاه منها‏:‏ قال الراوي وهو سفيان بن عيينة‏:‏ فلما خرجنا قلت له‏:‏ يا أبا علي أخطأت أن لا أخذتها وصرفتها في أبواب البر فأخذ بلحيتي ثم قال يا أبا محمد انت فقيه البلد والمنظور إليه وتغلط مثل هذا الغلط لو طابت لأولئك لطابت لي‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي يعقوب بن داود السلمي كان كاتب إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضوان الله تعالى عليهم أجمعين الذي خرج هو وأخوه علي أبي جعفر المنصور بالبصرة ونواحيها وقتلا في سنة خمس وأربعين ومائة وقصتهما مشهورة وقد تقدم ذكرهما هنالك وكان قد نشأ يعقوب المذكور في صنوف من العلوم ولما ظهر المنصور على إبراهيم بن عبدالله المذكور ظفر بيعقوب المذكور فحبسه في المطبق وكان يعقوب سمحاً جواداً كثر البر والصدقة واصطناع المعروف مقصوداً ممدوحاً مدحه أعيان شعراء عصره فلما مات المنصور وقام بالأمر ولده المهدي جعل يتقرب إليه حتى أدناه واعتمد عليه وعلت منزلته عنده وعظم شأنه حتى خرج كتابه إلى الدواوين‏:‏ ان أمير المؤمنين قد آخى يعقوب بن داود فقال في ذلك سالم بن عمرو‏:‏ نعم القرين على التقوى أعنت به أخوك في الله يعقوب بن داود فلم يكن ينفذ شيء من الكتب للمهدي حتى يرد كتاب من يعقوب الى أن تكلم فيه الواشون والعذال واكثر فيه الأعداء المقال وذكروا خروجه على المنصور مع إبراهيم بن عبدالله فوجد المهدي عليه فأراد أن يمتحنه في ميله إلى العلوية فقال له‏:‏ هذا البستان وأشار إلى بستان فيه صنوف من الأشجار وهذه الجارية وأشار إلى جارية عنده لك وأمرت لك بمائة ألف درهم ولي إليك حاجة أحب أن تضمن لي بقضائها‏.‏

فقال‏:‏ السمع والطاعة فقال‏:‏ و الله قال‏:‏ و الله ئلاث مرات‏.‏

فقال له‏:‏ ضع يدك على رأسي واحلف به ففعل ذلك فلما استوثقه قال له‏:‏ هذا فلان ابن فلان رجل من العلوية أحب أن تكفيني مؤنته وتريحني منه يعني نقتله فأمره بتحويل الجارية وما في المجلس من الأثاث والمال المذكور فاشتد سروره بالجارية وجعل فلان العلوي عنده في مجلس فقال له العلوي ويحك يا يعقوب تلقى الله بدم رجل من ولد فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له يعقوب‏:‏ خذ هذا المال وخذ أي طريق شئت فقال‏:‏ طريق كذا آمن لي فقال‏:‏ امض مصاحباً بالسلامة او كما قال فسمعت الجارية الكلام كله ووجهت مع بعض خدمها إلى الخليفة تعلمه بذلك وقالت‏:‏ هذا جزاء من آثرته بي على نفسك فوجه المهدي في تلك الطريق من لحق العلوي فرده إليه ومعه المال وجعله في مجلس ووجه إلى يعقوب فلما حضر قال له‏:‏ ما فعل الرجل قال أراح الله منه أمير المؤمنين قال‏:‏ مات قال‏:‏ نعم فحلفه على ذلك‏.‏

فحلف وأقسم برأسه فقال‏:‏ يا غلام آخرء إلينا من في هذا البيت ففتح بابه عن العلوي والمال بعينه فبقي يعقوب متحيراً لا يدري ما يقول فقال له المهدي‏:‏ لقد حل دمك ولو آثرت إراقته لأرقته ولكن احبسوه في المطبق فحبسوه وأمر بأن يطوى خبره عن كل واحد فأقام فيه سنتين وشهوراً في أيام المهدي والهادي وخمس سنين في أيام الرشيد ثم شفع فيه يحيى بن خالد البرمكي فأمر هارون بإخراجه فخرج وقد ذهب بصرة فأحسن إليه الرشيد ورد ماله وخيرة المقام حيث يريد فاختارمكة فأذن له في ذلك فأقام بها حتى مات رحمه الله تعالى‏.‏

وفي رواية عن أبيه قال‏:‏ اخبرني أبي أن المهدي حبسه في بير وبنى عليه قبة مكث فيها خمس عشرة سنة وكان يدلي إليه كل يوم برغيف وكوز ماء ويؤذن بأوقات الصلوات قال فلما كان في رأس ثلاث عشرة أتاني آت في منامي فقال‏:‏ حنا على يوسف رب فأخرجه من قعر جب وبيت حوله غمم قال فحمدت الله تعالى وقلت أتاني الفرج ثم مكثت حولاً لا أدري شيئاً فلما كان في رأس الحول الثاني أتاني ذلك الآتي فأنشدني‏:‏ عسى فرج يأتي به الله إنه له كل يوم في خليقته أمر عسى الكرب الذي أمسيت فيه يكون وراءه فرج قريب فيأمن خائف ويفك عان ويأتي أهله النائي والغريب قال‏:‏ فلما أصبحت نوديت فظننت أن أوذن بالصلاة فدلي لي حبل وقيل لي‏:‏ اشدد به وسطك ففعلت فأخرجوني فلما قابلت الضوء غشي بصري فانطلقوا بي فأدخلت على الرشيد فقيل لي‏:‏ سلم على أمير المؤمنين فقلت السلام على أمير المؤمنين المهدي ورحمة الله تعالى وبركاته فقال لست به فقلت السلام على أمير المؤمنين الهادي فقال‏:‏ لست به فقلت‏:‏ السلام على أمير المؤمنين الرشيد فقال‏:‏ يا يعقوب بن داود والله ما شفع فيك إلي أحد غير أني حملت الليلة صبيةً لي على عنقي فذكرت حملك إياي على عنقك فوثبت لك من المحل الذي كنت فيه فأخرجتك وكان يعقوب يحمل الرشيد وهو صغير‏.‏